الأحد، 24 أغسطس 2014

نظرة حول الظاهرة الدينية

من الصعب التحدث عن الظاهرة الدينية بشمول لأن مثل هذا الموضوع الذي يعكف عليه الباحث لسنوات ويخرج لنا بنتيجة لا تتجاوز عدد من الصفحات حول الدين وظاهرة التدين ووو, لن أستطيع أنا بقامتي الفكرية والأدبية المتواضعة أن أطرح مثل ذلك لذا سيكون حديثي موجزاً في جوانب مختلفة,
من الأمور الثابتة في الحياة الإنسانية هو تساؤل كل أمة من الأمم الفانية أو الباقية عن سر الوجود ومحاولة البحث عن طريق الحق, هذا البحث الإنساني عن سر الوجود البشري أمر طبيعي وتلبية للجانب الروحي الذي يتكون منه الإنسان فهو لا يقتصر على الجانب المادي و البحث عن وسائل الإشباع المادي فقط, فالاتزان الذي يحدث نتيجة الإجابة عن هذا السؤال أمر لابد منه ومن ينكر ذلك فهو جاهل بحقيقة الطبيعة البشرية, فكانت الظاهر الدينية هي الوسيلة الوحيدة لحل اللغز وملء الفراغ الروحي لدى الإنسان فهي ليست وليدة اليوم بل ظاهرة أزلية جاءت مع الإنسان وتنتهي بفنائه, إذا أردنا اليوم أن نعرف كيف نشأ الدين لا بد أن نرجع للوراء ونستحضر أمامنا أقدم الأمم ونقوم بدراسة تحليلية دقيقة حول الطبيعة الدينية لدى تلك الأمم وبالفعل أجريت دراسات وأبحاث في هذا الجانب إلا أن النتائج كانت متضاربة , فقد سادت في القرن الثامن عشر وجهة نظر ترى بأن الدين هو من اختراع الشعوب والجماعات بغية فرض قوانين أخلاقية رادعة, ومنهم من يرى أن الدين اخترعه الأغنياء ليلهى به الفقراء عن المال وكان فولتير يرى بأن تفكير الناس في المادة سبق تفكيرهم في الدين والمعتقد وكل هذه مجرد أقاويل لا تستند على دليل يثبت صحتها , من جانب آخر أكدت العديد من الأبحاث أن فكرة الإله الأعلى وجدت لدى شعوب متأخرة جدا ,( تذكرت ما قالته زميلتي عن إحدى البرامج التلفزيونية الذي عرض حياة قبيلة بدائية جداً تعيش في الغابات كانت تؤمن بالإله الأعلى), بالرغم من وجود خلاف بين مذهبين حول التوحيد هل كان فطرياً أم تطورياً فيرى أتباع المذهب التطوري التصاعدي بأن الدين بدأ بعباده الحجر والأوثان إلى أن وصل للتوحيد وفكرة الإله الأعلى بينما يرى أتباع المذهب الآخر أن التوحيد هو ما فطر عليه الإنسان أما الشرك وعباده الأوثان إنما هي أعراض طارئة نحن بالطبع ننتصر للقول الثاني وهذا ما يثبته قوله تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) و قول النبي فيما يرويه عن ربه( إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، فاجتالتهم الشياطين وحرمت عليهم ما أحللت، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً), فآدم عليه السلام حينما أنزله الله كان يحمل العقيدة الصحيحة توحيد الله وحده لا شريك له وهذا ما فطر عليه البشر (ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ), لكن ما هي الدلائل التي تثير في النفوس البشرية نزعة التدين؟
هناك خمسة مذاهب تناولت هذا الجانب أو بالأحرى خمسة مدارس لن نستطيع هنا الإسهاب بل سنكتفي بإعطاء فكرة موجزه وبسيطة
أولا:المذهب الطبيعي والذي يرى أن التأمل في الكون والطبيعة أو الكوارث من زلازل وفيضانات هو ما يجعل الإنسان ينزع للتدين والإيمان بأن هناك قوة غيبية وراء هذه الطبيعة تتحكم في هذا الكون بحركاته وسكناته.
ثانيا:المذهب الروحاني والذي أستدل على حياة الخلود والقوة الغيبية بأرواح الأموات, يعتقد أتباع هذا المذهب أن أثناء النوم تفارق الروح الجسد وهذا أمر ثابت, و أنه حينما يحلم المرء أثناء النوم فإن روحه تنتقل للحلم فحلم الإنسان بالميت هو دليل على حياة الروح بعد فناء الجسد فالموت في الحقيقة هو مفارقة الروح الجسد وكلا منهم يرجع لعالمه الطبيعي الجسد في هذه الأرض والروح لعالم الأرواح, أيضا يؤمنون بوجود الأرواح الشريرة والأرواح الطيبة إن صح لنا التعبير يقصد بهم(الشياطين, الملائكة).
ثالثا:المذهب النفسي يعتقد أنصار هذه النظرية أن نزعة التدين تنشأ من النزاعات والصراعات التي يتعرض لها الفرد في حياته بين إرادته ورغبته الداخلية والتأثيرات الخارجية, هذا الألم المستمر الذي يشعر به الإنسان يكون كالشرارة المضيئة في نفس الإنسان يكسبه هذا التدين إيمان وثقه لإكمال مسيرة حياته , كذلك لدى ديكارت نظرية أساسها نفسي فطري كما يقول وهي تتعلق بمسألة الكمال البشري, فمن الطبيعي أن الناقص لن يعرف أنه ناقص إلا إذا عرف من هو الكامل أو أدرك ما هو الكمال يرى ديكارت أن النزعة للكمال والمثالية أمر فطري لدى البشر قد جبلوا عليه وهذا دليل على وجود مثل أعلى يتصف بكل صفات الكمال, ومن الجميل أن نتذكر النموذج المثالي في الإسلام " المؤمن الصادق" هو من يسعى دوما للتخلق بمقتضى صفات الله والذي يحب أن يتحلى بها عبادة كالكرم والجود والعفو والرحمة والقوة والعلم وو , (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ).

رابعا: المذهب الأخلاقي يرى الفيلسوف الألماني كانت أن الوجود الإلهي والدين ليس موضوعا علميا يثبت بالبرهان والتجربة بل هو إيمان عقلي ومسلمة, فقد قام كانت بنسج 3 عوامل لإثبات وجهة نظرة :
_أن الطفل فطر على معرفة الخير من الشر والتمييز بين المستحسن والمستقبح .
_ أن هدف الإنسان هو الوصول للخير الأعلى ولأن الإنسان لا يستطيع في حياته القصيرة من تحقيق هذا الهدف ففكرة الخلود لابد منها لإثبات ذلك.
_حينما يسعى الإنسان للخير الأعلى تكون له الفضيلة والسعادة نتيجة محتومة على ذلك ولأن اليوم نرى الفضيلة مقترنة بالفقر والتعب والسعادة بالفساد والخطايا لابد من الإيمان بمبدأ أعلى تخضع له الطبيعة لتحقيق التوازن فالإيمان بالله هو المطلب الأساسي لمعقولية هذا النظام الأخلاقي.

خامسا: المذهب الاجتماعي يرى أنصار هذا المذهب بأن تجانس الفرد مع الجماعة لحد الانصهار يسلخ الفرد من كل اتجاه فردي ويجعل من اتجاه الجماعة هو السائد ومن هنا نبعت فكرة التدين حيث يعتقدون أنها من صنع الجماعة للمحافظة على قدسية الجماعة في الأجيال وما يحدث في الأعياد لدى بعض القبائل من انتهاك للحرمات والمقدسات لن يكون إلا بدافع ديني وهذه حجه ضعيفة وواهية وهذا الرأي ذهب له صاحب المدرسة الاجتماعية بفرنسا مع أن العديد ممن ينتمون لهذه المدرسة نفوا أن يكون العنصر الاجتماعي وراء كل الظواهر الدينية وإن كانت الجماعة تلعب دور كبير في الظواهر الدينية بالمحافظة على أصولها ومبادئها ولا أحد ينكر ذلك, فهم يرون تشابه كبير بين التقديس الديني وتقديس الجماعة وذلك أن الدين يفرض على الفرد طقوس معينة لا تتبدل وأن الجماعة أيضا تفرض بعض الطقوس المتوارثة وفي المجمل ما تستند عليه هذه المدرسة ضعيف جدا لا يقنع به عاقل.
كل تلك المذاهب ترى أن الدين من صنع الإنسان وهو من سعى له ولكن المذهب الأخير وهو مذهب الوحي يؤكد أن الدين هو من نزل على البشر بالوحي والرسالات السماوية, والمذاهب السابقة هدفها الأساسي توضيح الدلائل التي أثارت نفوس البشر نحو الظاهرة الدينية و الأيمان بعالم ما وراء الطبيعة.

عموماً هذه المقالة قد لا تفيد القارئ كما تفيد كاتبها لأنني وقبل كل شئ أردت ترتيب أفكاري حول هذه الظاهرة لأني تعرضت لعصف قوي بعد قراءة بحث الدكتور محمد دراز رحمه الله في الدين وهو أفضل ما قد تقرأه في هذا الجانب خاصة.